مطلب عادل لمهنة شاقة
يمثل ملف التقاعد للمعلمين والأساتذة في تونس واحدًا من أبرز الإشكاليات التي أثيرت في السنوات الأخيرة، خاصة مع ما يُعرف بـ"السنتين الإضافيتين" التي تمّ فرضها في إطار إصلاحات المنظومة التقاعدية. هذا الإجراء أثار جدلاً واسعًا في الوسط التربوي والنقابي، باعتباره يتعارض مع تصنيف التعليم كمهنة شاقة تتطلب تخفيض سن التقاعد بدل التمديد فيه.
خلفية قانونية
صنّفت عدة قوانين ومراسيم مهن التدريس، وخاصة في التعليم الابتدائي والثانوي، ضمن "المهن الشاقة". ويعود ذلك إلى طبيعة العمل اليومي الذي يجمع بين المجهود الذهني المستمر، الضغوط النفسية، والتعامل المباشر مع أعداد كبيرة من التلاميذ. وبناءً على هذا التصنيف، كان من المنتظر أن يتمتع المربون بامتيازات على مستوى سن التقاعد، بحيث يُسمح لهم بالخروج المبكر مقارنة ببقية القطاعات.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع الضغوطات المالية التي تواجهها الصناديق الاجتماعية، اتجهت الدولة إلى إقرار إصلاحات رفعت سن التقاعد تدريجيًا، وأدخلت صيغة "السنتين الإضافيتين". وهو ما يعني عمليًا أن المعلمين والأساتذة يُجبرون على مواصلة العمل سنتين إضافيتين قبل بلوغ التقاعد النهائي، وهو ما اعتُبر ضربًا لحقهم الطبيعي الذي اعترف به القانون في الأصل.
موقف النقابات
انعكاسات التمديد في سن التقاعد
-
تدهور الصحة الجسدية والنفسية للمربين: طول سنوات الوقوف داخل الأقسام والتعامل مع أجيال متعاقبة يُسبب إرهاقًا مزمنا.
-
تراجع جودة التعليم: معلم مرهق ومثقل بالسنوات لن يكون قادرًا على تقديم نفس العطاء والحماس كما في بدايات مسيرته.
-
انسداد آفاق التشغيل أمام الشباب: التمديد في سن التقاعد يعني تجميد آلاف الخطط الوظيفية، وهو ما يحرم خريجي الجامعات من فرص الالتحاق بالمهنة.
-
إحباط نفسي داخل الوسط التربوي: إحساس المربين بالظلم وعدم الاعتراف بخصوصية مهنتهم يولّد توترًا واحتقانًا في قطاع حساس.
حجج المدافعين عن الإلغاء
-
التعليم مهنة شاقة بحكم طبيعتها، ولا يجوز مساواتها بالوظائف الإدارية أو التقنية.
-
السنتان الإضافيتان إجراء غير عادل، لأنه يفرض على فئة أنهكتها المهنة مزيدًا من العمل القسري.
-
تحسين وضعية صناديق التقاعد لا يجب أن يكون على حساب المربين فقط، بل عبر إصلاحات شاملة تشمل التوازنات المالية ومكافحة التهرب الاجتماعي.
-
إلغاء التمديد سيفتح المجال أمام آلاف الشباب العاطلين للالتحاق بمهنة التعليم، بما يضخ دماء جديدة في المنظومة.
نحو مقاربة جديدة
إن إلغاء السنتين الإضافيتين للمعلمين والأساتذة لا يجب أن يُنظر إليه كترف اجتماعي، بل كضرورة لحماية حقوق فئة أساسية في المجتمع. فالمعلم هو صانع الأجيال، وحمايته ورعايته واجب وطني. لذلك، فإن الإصلاح الحقيقي يجب أن يقوم على:
-
مراجعة شاملة لنظام التقاعد تراعي خصوصية المهن الشاقة.
-
إشراك النقابات في صياغة القوانين الجديدة لضمان التوازن بين مصلحة الدولة وحقوق المربين.
-
التفكير في حلول مالية مبتكرة لدعم الصناديق، مثل توسيع قاعدة المنخرطين والحد من الاقتصاد الموازي، بدل تحميل المعلمين وزر الأزمة.
-
إقرار إمكانية التقاعد المبكر الاختياري مع ضمان حد أدنى من الحقوق.
خاتمة
الجدل حول سن التقاعد في تونس ليس تقنيًا فحسب، بل هو بالأساس مسألة إنصاف اجتماعي. فإذا كان الاعتراف بالتعليم كمهنة شاقة حقيقة قانونية ومجتمعية، فإن أي محاولة لإضافة سنتين على حساب المعلمين تُعتبر ظلمًا صريحًا يجب تصحيحه. واليوم، ومع تزايد الأصوات المطالبة بالإلغاء، تبدو الكرة في ملعب صانع القرار من أجل سنّ تشريعات أكثر عدلًا تُعيد الاعتبار للمربين، وتحافظ في الوقت نفسه على استمرارية منظومة التقاعد في تونس.